كتبتُ منذ أيام أن “القيادة مشكلة أساسية”.. فإذا بي أزور نهاية الأسبوع الماضي بلدية سيدي عيسى لأقف في الميدان على درس حقيقي في هذا المجال، يؤكد أن حل مشكلة القيادة في بلادنا سيُمكِّن بالفعل الجزائريين من إتقان العمل ويجعلهم يُحسِنون التصرُّف في المال العام ويساهمون في بناء بلدهم بحق.
من المركز الثقافي الذي يحمل اسم شهيدة “الشروق العربي” خديجة دحماني رحمها الله، الذي أبهر كل من زاره برونقه وجماله قبل اليوم، إلى مقرِّ المجلس الشعبي البلدي الذي تم تدشينه منذ مدة وجيزة، لا يمكنك إلا أن تتوقف لاستخلاص الدرس بالنسبة لنا كجزائريين نشكو من ضعف الإتقان وهدر المال العام عند الإشراف على إنجاز مشاريعنا المختلفة، أي من ضعف القيادة.
المَعْلَم الجديد لمقر البلدية الذي يمكن لأي مِنَّا زيارته على “اليوتوب” (رجل وانجازات سيدي عيسى) لِيحكُم بنفسه، يُبيِّن كيف يُمكن عند استغلال الميزانية المخصَّصة للإنجاز أحسن استغلال أن نُوفر للمواطن أفضل المرافق التي تجعله يتخلص من فكرة أن كل شيء سيء في هذه البلاد وأنه لا أمل في إصلاحها.
بالعكس تماما، كل شيء ممكن أن يسير نحو الأحسن في بلادنا وفي أقل مدة نتصوّرها إذا ما توفر الإخلاص والإرادة الحسنة والكفاءة في التسيير والصدق في المعاملة، أي حسن القيادة، ذلك أن المشكلة ليست أبدا في الامكانيات إنما في حسن استغلالها وفي التحكُّم في ذلك.
المقرّ الجديد للبلدية المذكور أنجز في أكثر من 90 بالمائة منه بمنتجات محلية الصنع، وبأيدي عاملة جزائرية، وبميزانية هي ككافة الميزانيات… لماذا ظهر بهذا الشكل المناسب لِلميزانية التي خُصِّصت له؟ لماذا شعرنا ونحن نزوره وكأنه لم يُنجَز من قِبَل جزائريين وبأيدي جزائرية وفي الجزائر؟ وما دلالة ذلك؟
دلالة ذلك أننا يمكن أن نبني بَلدنا بالطريقة التي لا تقلُّ شأنا عن البلدان التي كثيرا ما نعتبرها مَضرب الأمثال، وأن المسألة إنما تتعلق فقط بحسن الإدارة والتسيير والتدبير والسهر على أموال الشعب وتمكينه من الاستفادة منها، أي بنوعية القيادة التي ينبغي أن تتحمَّل المسؤولية في هذه البلاد إن على المستوى المحلي أو المركزي.
وهذه القيادة موجودة في الجزائر العميقة، وعلينا أن نشدَّ على أيديها لتكون مضرب الأمثال للآخرين، وتنقل المواطن إلى حالة الأمل الفسيح التي يستعيد معها الثقة في نفسه وفي مسؤوليه وفي بلده… ومعها نستعيد جميعا الثقة في أنفسنا بأننا نستطيع أن نكون كما نريد، وأفضل مما نريد.
لماذا نذهب بعيدا في كل مرة؟ لننزل إلى الجزائر العميقة، أليس التعلُّم يكون بالقدوة؟ وهي أمامنا في سيدي عيسى؟ لنتعلم من سيدي عيسى ورجالها ونسائها؟
الدكتور سليم قلالة – الشروق اليومي
إرسال تعليق